في عالم كرة القدم، لا يوجد اسم أحدث انقسامًا في الآراء مثل جوزيه مورينيو. هو المدرب الذي إن تحدثت عنه، ستجد من يراه عبقريًا تكتيكيًا لا يُضاهى، ومن يصفه بـ المدرب الدفاعي الذي قتل متعة اللعبة. وبين هؤلاء وأولئك، يظل "السبيشل ون" كما يحب أن يُلقب، واحدًا من أعظم المدربين في تاريخ اللعبة، وأحد أكثرهم إثارةً للجدل.
من الترجمة إلى القمة
بدأ مورينيو مسيرته الكروية كمترجم للمدرب الإنجليزي الكبير بوبي روبسون في برشلونة، لكنه لم يكتفِ بدور الظل. راقب، تعلّم، وفهم اللعبة من منظور تكتيكي عميق. سرعان ما صعد نجمه كمدرب مساعد، ثم كمدير فني لنادي بنفيكا، قبل أن يخطف الأنظار فعليًا في نادي بورتو البرتغالي.
في 2004، كتب التاريخ عندما قاد بورتو غير المرشح للفوز إلى التتويج بدوري أبطال أوروبا، بأداء منظم وقتالي أبهر أوروبا.
تشيلسي: إعلان "السبيشل ون"
في نفس العام، وصل إلى إنجلترا عبر بوابة تشيلسي، وقال جملته الشهيرة:
"Please don’t call me arrogant, but I’m European champion and I think I’m a special one."
ومن هنا وُلد لقب "The Special One".
مع تشيلسي، كسر هيمنة مانشستر يونايتد وآرسنال، وفاز بالدوري الإنجليزي الممتاز مرتين متتاليتين، مؤسسًا فريقًا صلبًا بقيادة جون تيري، فرانك لامبارد، وديدييه دروغبا.
التكتيك: بين العبقرية والجدل
مورينيو ليس مدربًا استعراضيًا، بل تكتيكي حتى النخاع. يعتمد على:
-
الدفاع الصلب والتنظيم الجماعي.
-
الهجمات المرتدة القاتلة.
-
قتل المباراة ذهنيًا ونفسيًا قبل بدنيًا.
-
الواقعية قبل الجمالية: الفوز هو الأولوية دائمًا.
نُقد على أسلوبه في "ركن الحافلة" أمام مرمى فريقه، لكنه يرد دائمًا:
"الناس تتحدث عن المتعة… أما أنا فأتحدث عن البطولات."
إنتر ميلان 2010: ملحمة تاريخية
أحد أعظم إنجازات مورينيو جاء مع إنتر ميلان في موسم 2009-2010، عندما قاد الفريق لتحقيق ثلاثية تاريخية (الدوري، الكأس، ودوري الأبطال).
نصف النهائي ضد برشلونة، حين فاز 3-1 ذهابًا، ثم دافع بـ10 لاعبين إيابًا، كان أحد أعظم اللحظات التكتيكية في تاريخ اللعبة.
قال بعد المباراة:
"لقد فزنا بالمباراة قبل أن نصل إلى الملعب… لأننا آمنا بالخطة."
ريال مدريد: كسر الهيمنة الكتالونية
وصل إلى ريال مدريد في 2010 ليكسر هيمنة غوارديولا وبرشلونة على الكرة الإسبانية. وبعد صراع عنيف، تمكن من الفوز بالدوري الإسباني 2012 برقم قياسي من النقاط والأهداف، في موسم قال فيه البعض إن "المتعة انتصرت للعقلانية".
لكنه لم يحقق حلم دوري الأبطال مع الميرينغي، رغم وصوله إلى 3 نصف نهائيات متتالية.
العودة إلى تشيلسي والرحلة إلى مانشستر
عاد إلى تشيلسي في 2013، وحقق الدوري مجددًا في 2015، لكن التوترات داخل الفريق أنهت فترته سريعًا. بعد ذلك، قاد مانشستر يونايتد وحقق معهم لقب الدوري الأوروبي 2017، قبل أن يُقال لاحقًا وسط أداء غير مقنع.
ثم درب توتنهام وروما، وحقق مع الأخير لقب دوري المؤتمر الأوروبي، ليصبح أول مدرب يفوز بكل البطولات الأوروبية المتاحة.
شخصية مثيرة للجدل
مورينيو شخصية لا تقبل "المنطقة الرمادية". صريح، حاد، ساخر، ويدخل في معارك إعلامية بشكل دائم. سواء مع مدربين منافسين، أو حتى لاعبيه أحيانًا.
لكنه أيضًا محب للاعبيه، يعرف كيف يخلق معهم رابطة ولاء قوية. دروغبا، زلاتان، راموس، وغيرهم، لا يزالون يشيدون به رغم قسوته أحيانًا.
الإرث: أكثر من مجرد ألقاب
مورينيو ليس فقط "مدربًا ناجحًا"، بل مدرسة مستقلة. أثبت أن كرة القدم ليست فقط جمالية، بل عقل، تكتيك، وشخصية.
فاز بألقاب في 4 دوريات كبرى، وأصبح رمزًا للواقعية التكتيكية في عصر كانت فيه التيكي تاكا تسيطر على المشهد.